عشتـــــــار

عندما تسلط الضوء من الخارج على نفسك منفصلا عن معتقداتك وأفكارك السلبية عن هذه الذات التي لطالما اختبرت الضياع لتكتشف سبل الوصول الى طرق لم يكن من السهل الوصول إليها، ترى خطواتها وتتمعن في محاولاتها وهي تكافح في كل يوم وتسعى للتقدم، تخلق اللحظة المثالية متخليةً عن فكرة انتظارها ، سترى حينها هذا الكيان الذي يصنع عالما بعيدا عن فكرة الكمال غير مكترث بما يفكر به الآخرين وكله ثقة بان كلاً منا كاملاً بطريقته الخاصة مؤمنا بأن رحلة إيجاد نفسه تتطلب المزيد من الصبر فمسافتها تقع بين ما يظنه الإنسان وهو غارق في افكار لا أساس لها من الصحة عن مدى عجزه واحباطه وبين قناعته في تثمين الخطوات الصائبة مهما كانت صغيرة . الشمس تشرق مجانا لتعانقك كل صباح ولتوصل رسالة الكون لك عن مدى اعجابها بعزمك وتكرار محاولاتك، على الرغم من الصعوبات وما مر بالأمس، فالحياة لا يمكن اختصارها بقصة فشل او لحظات احباط او مرور غيمة سوداء عكرت صفو سمائك الواسعة ، عندما ترى بتلك النظرة من الخارج وجودك في هذا العالم كمعجزة تسعى الى النهوض بعد كل عثرة فانك بذلك تشير الى معنى السعادة التي تكمن في قدرتنا على الانغماس في الحياة ومواجهة...

كما نتوارث الجينات وما يتبعها من صفات وأمراض كذلك المشاعر والسلوك، بلا وعي منا قد نتبع سلوك من سبقونا بطريقة او بأخرى لأننا ننتمي للجذور مهما ابتعدنا ونمت أغصاننا وتفرعت، نأتي الى هذا العالم ككتلة صغيرة يسكنها فراغ كبيرة يملأه المحيطين بنا، نتأثر بهم ونبدأ شيئاً فشيئاً بالانتقال والتحول من نسخة إلى أخرى، نتفاعل مع الأحداث ونختزن المواقف ونعيد لعب أدوار لعبها الآخرين مسبقاً ولأننا نجيد فن الاستسلام ونتغاضى عن حاجتنا الملحة لابتكار وخلق ذات مستقلة نتوافق معها  سنكون كمرآة تعكس معتقدات ومفاهيم من مروا في حياتنا لأننا نخشى أن ندفع ضريبة التغيير فنلتصق في أنماط معروفة مسبقاً لكي لا نشعر بالحيرة والارتباك . في لحظة ما ستتخذ القرار في أن تفصل نفسك وترسم الحدود بين ما يعتقده الآخرين وبين ما تشعر بالسعادة في عيشه. اعادة خلق نفسك ومحاولة العثور على علاقة بينك وبين ما يجعلك حي بالفعل هو الواجب الأسمى والتجربة الاكثر اثارة لانك حينها تكتشف نقاط قوتك وضعفك و ترى قدرتك في التعامل مع هذا الضعف وتستوعب كم اجتهدت لتخرج من بعض الأزمات وتعيد ترتيب الفوضى بداخلك لتصنع بخطى مباركة وان كانت تبدو لك بطيئ...

  أتساءل دوماً ما هو الشيء الذي يجذب هواة الغوص للتوجه الى اعماق البحار، ربما هو السعي الى الاكتشاف او الذهاب بعيداً عن الضجيج او رحلة لممارسة ما هو غير مألوف لأن الأحداث على هذه الارض اصبحت مملة الى درجة الرتابة لذلك يجرب الانسان ما يدهشه للابتعاد عن المتوقع والمعلوم. كذلك هي مخاوفنا وتساؤلاتنا وعالمنا المختبئ في اعماقنا فمعظم جذور أمراضنا تنمو و تزهر في أحضان هذا العالم لتقبع في أجسامنا وتصبح مزمنة وهي نتاج فعلي لمشاعرنا عندما نحزن او نقلق او نشعر بالانزعاج او الضيق ولأننا لا نتواصل مع أرواحنا بصلاة او تأمل بل ننتقي الانشغال بما هو خارج حدودنا فنفقد البوصلة التي تقود هذه الروح التي تود أن تنعم بطمأنينة ولو لزمن قصير. عندما ترى من يحاول التقليل من الآخرين وانتقادهم فإنها إشارة إلى أنه شخص عجز عن فهم  نفسه فلجأ الى زعزعة ثبات الآخرين وعمد الى ان يقودك الى وجهة بعيدة املا في مشاركته الشعور بالخوف ولكنك لابد أن تنتبه في كل مرة وتتمسك بالإنصات إلى نفسك لأنك بهذا ستجتاز اصعب اختبار وتدرك جيدا عبارة "كن انت نفسك" فمن يفهم هذه النفس و يستوعبها ويتقبل ضعفها واخطائها وما تمر به...